ترقية

الثلاثاء، 5 مايو 2020

تواصل االحيوانات بين الظاهر و الباطن : اللعب.



تحتاج الحيوانات في مجتمعاتها إلي ما يتواصل به أفرادها فيما بينهم و تستثمر لذلك كل فرصة و مناسبة فنجد الكثير من سلوكها يؤدي غرضه الرئيسي من جهة ومن جهة أخري يؤازر الأفراد لتحقيق التواصل . و اللعب نموذج لهذه القاعدة فهو ضرورة من ضروريات الحياة السليمة ؛ إذ تحتاج إليه الحيوانات كوسيلة للترويح و الترفيه لأنها لا تقضي حياتها كوقت فراغ ذلك أنها تعمل و تبحث عن غذائها و ترعي صغارها و نحو ذلك ، علي أن اللعب يعد كذلك سلوكا اجتماعيا بل ربما أكثر من كونه سلوكا ترفيهيا و من هنا برزت أهميته .

في الكلاب نجد أن أفرادها يمارسون نوعا من الإيجابية فيقوم الواحد منهم بدعوة الآخر لممارسة اللعب معه ، أي أن اللعب مدخل أو مفتاح للتواصل فضلا عما سيكون بينهما من لعب و الذي هو في حد ذاته تواصل .
و للدعوة إلي اللعب وسائل منها مثلا أن يقترب الكلب من كلب آخر مع الابتعاد عنه وكأنه يهرب منه ، ثم يقترب و يبتع و هكذا دون أن يشعره بأي خوف منه وغير مبديا لأي شكل من أشكال التهديد ، و أن تكون المنطقة الخلفية معلقة في الهواء ، و أن يجعل الكلب أطرافه الأمامية في مستوي نازل لأسفل و قد يري هذا في أوقات وقوع مشاكل بين كلبين ، لذلك فإنه أثناء انتظار الرد من الطرف المقابل يكون صاحب الدعوة في حالة تخوف من سوء فهم قد يحدث ، يدفعه ذلك إلي الحذر و الترقب ، و إذا آلت الأمور إلي الموافقة تبدأ ممارسة اللعب و يشاهد ذلك علي هيئة قفز أو حركة دائرية ، وفتح الفم مع اللهث ، و اللعب بالأرجل الأمامية ، و تحريك الزيل بأريحية ، و غير ذلك من المشاهد التي تبدو لنا علي هيئة معركة بينهما ، لكنه حقيقة من طقوس اللعب.

و الكلاب تمارس العض طبيعة أثناء اللعب و قد يكون بضراوة ، علي أن هذا لا ينقص من صفة الحدث كلعب ، و إذا دربت الكلاب علي تجنب العض مع أقرانها فإنه لن يستخدم أثتاء اللعب . و مما يبدو لطيفا في الأمر و مشابها لعالم الإنسان أن الكلاب عندها في تقاليد اللعب ما يشبه الفوز و الخسارة .

أما عن القطط ، فالعمر يؤثر في هذا السلوك ، إذ تشتد ممارسته في الفترة من الأسبوع الرابع عشر إلي الأسبوع السادس عشر ، و كما الكلاب فإن للعب مظاهر و علامات منها أن يتحرك الحيوان حركة خفة تشبه لحظات الهرب حول حيوان آخر ، و أيضا يكون الشعر واقفا في بعض المناطق من الجسم و منها الزيل والعمود الفقري ، و قد  ذكر أحد العلماء في كتاب له عدد من العلامات التي تدل علي أن الموقف موقف لعب بين الحيوانات و منها أن تكون منطقة البطن ظاهرة  وليست في الوضع المعتاد ، و أن تكون القطة واقفة ، و القفز أفقيا ، و أن تبدو القطة و كأنها تهرب من خلال أدائها حركة خفيفة أو مثل الذي يبدو عليه عدم الاهتمام.
و بعض من هذا تمارسه القطط مستعينة بادوات و أشياء.

و لئن كان الحيوان أبكما لا يتكلم فإن هذا لا يعني غياب  اللغة ، و هذه اللغة هي حركاته و سلوكياته وتصرفاته و هذا نشاهده و نلاحظه عليهم ، علي أن هذه الإشارات  تمر علينا مرور الكرام  لأننا لا ندركها ، أو نظنها غير مهمة مثل تعبيرات الوجه و حركة الزيل بل معدل هذه الحركة ، و كل المعطيات التي تظهر علي الحيوان ينببغي الاهتمام بها جميعا ؛ لأن لغة الجسد منظومة متكاملة و إلا كانت النتيجة الفهم الخاطئ و الاستنتاج المغلوط . فمثلا القطط الصغيرة أثناء اللعب قد تنحني ثم تقوم بالقفز و هذا قد يجعل المشاهد يترجم الموقف علي أنه محاولة للافتراس ؛ لذلك ينبغي عدم الاهتمام بعلامة دون الأخري لقراءة الموقف ؛ لأن العلامة الواحدة قد تتكرر في أكثر من موقف.

الأحد، 3 مايو 2020

السلوك الاستكشافي و الفضول في الحيوانات



الفضول سلوك مدفوع بقوة داخلية كامنة فهو تيار يسري في الدم و فكرة تغزو العقل و هواية تسكن القلب وإلا كان الجسد كالصنم بلا روح ، وهو للحيوان كالإناء ينضح بما فيه . 

يتضح هذا السلوك بالنسبة في الكلاب الصغيرة ( الجرو) خاصة في بداية مرحلة القدرة علي الحركة ، و تستهلك من اليوم وقتا كبيرا ما يدل علي أهميته ليس في مراحل العمر الأولي فقط بل فيما هو قادم بعدها ، وهي مما ينبغي أن يلبي و يتوفر للحيوان كغيره من الحاجات بل إن الكلب يتحري الفرص من المحفزات و المثيرات مستجيبا للدافع الداخلي عنده و ملبيا للحاجة و ما ذلك إلا لأفضال هذا السلوك عليه ، و منها أنه يعرف تفاصيل بيئته بما في ذلك إدراك كينونة طعامه و معرفة مسالك الهرب و مواقع النوم وأماكن توافر المياه و غير ذلك مما يستعين به علي قضاء حوائجه.
و إذا أدركنا قيمة ممارسة هذا السلوك أدركنا معه أن لا سبيل لتركه و الاستغناء عنه ، ففي حالات عدم تمكن الكلب من القيام بالنشاط ، تزداد حركته توترا و عصبية إن تعرض لأبسط الضغوط و التي قد تكون في حالات أخري لا قيمة لها.

لذلك مما يفيد الكلاب أن تتجول في أماكن غريبة عنها أو غير مألوفة بالنسبة لها ؛ فهذا يحرك فيها الانتباه للاستكشاف و البحث ، ما يجعل الكلب يحافظ علي مستوي من المشاركة الحسية التي يحتاجها فضلا علي المنافع الأخري التي يحصل عليها من التجول بشكل عام مثل التقاط طعامه من الطريق ، و التواصل ، و كذا التزاوج .

ومن عالم الكلاب إلي عالم القطط فنجد نشاطها موزعا علي طول اليوم ليله و نهاره و إن كان يميل للزيادة بعض الشئ في النهار و هذا أثر علي طبيعة الاستكشاف عندها ، و الافتراس مثال لذلك ، فتنتظر الوقت الذي تتحرك فيه فرائسها و تنشط ، ومع ذلك فإن الكثير من قطط الشوارع لديها تنوع في فرائسها لأن هذه الفرائس تقضي أوقاتا طويلة تكون فيها نشطة في نفس الوقت .

و إن للبيئة تأثيرا علي معدل النشاط اليومي و الاستكشاف في القطط ، و البيئة هنا يقصد بها الشارع ، أو البيت بالنسبة للقطط التي يقتنيها الإنسان ، و لنأخذ من البحث عن الطعام نموذجا ، فالصنف الأول يتأثر نشاطه و فقا لتوافر الطعام في الشارع و حركة الفريسة ، و أما الصنف الثاني فهو مرهون بما يتاح له من صاحبه في المنزل ،
و خارج سياق الطعام ، فعلي صاحب المنزل مسؤليات أخري يجب أن يلتزم بها ، فحيث أنه يقتني هذا القط و يمنعه من ممارسة الحياة بالنمط الطبيعي ( فالقط له أن يعيش وسط أقرانه و يأكل الأكل الذي تأكله القطط بطبيعتها و غير ذلك من خصائص أي مجموعة حية لها سماتها و طريق معيشة) ، فأقل ما يكون لتلبية الحاجة الداخلية لممارسة سلوك الاستكشاف أن يوفر له أدوات اللعب ، و يضع نظاما للعب ، و يهيأ مكانا صالحا لممارسة الاستكشاف و الاختباء ، و أن يضع في متناوله أجهزة تخزين طعام لتثير انتباهه .

و مما يستفاد أن السعي نحو اكتشاف الأشياء و معرفة ماهيتها غريزة و فطرة يشترك فيها الحيوان و الإنسان ، فالطفل دائما ما تجذبه البيئة المحيطة به فيفكر و يتفكر فيها و يترجم ذلك إلي حركات و تصرفات ، ثم بعد ذلك إلي تساؤلات متي صار قادرا علي النطق و التعبير عما بداخله من خلال الكلمات ، علي أن الحيوان لا يملك تلك القدرة علي التعبير فكانت من هنا أهمية سلوك الحيوانات بالنسبة لهم ، و بالنسبة للإنسان ليفهمهم ، و هي تحتاج إلي كل إنسان لديه عقل ليسبح و يبحث خلف هذه الكائنات ليفهم كلامها و هي البكماء.

الخميس، 30 أبريل 2020

شذرات من النظام الاجتماعي للحيوانات : الكلاب الضالة نموذجا.





لا تعيش الحيوانات عيشة عشوائية عبثية كما يعتقد الكثير من الناس لدرجة أنهم إن أرادوا ذم الإنسان الفوضوي أو الطلاب غير المجتهدين يشبهونهم بالحيوانات وكأن الحيوانات لانظام لها ولا إطار و الحقيقة خلاف ذلك تماما ، و سنتحدث في هذا الموضوع عن ملامح من النظام الاجتماعي للكلاب الضالة - ويقصد بهذه الكلمة الكلاب التي لا يقتنيها الإنسان في البيت و تعيش في الشوارع سواء في الريف أو المدينة - و قد نشير كذلك إلي الترتيب الاجتماعي للأفراد في القطيع الواحد لكن في مقام اخر .

تعيش الكلاب الضالة في مجموعات صغيرة يتراوح عدد أفرادها من إثنين إلي خمسة و قد يخرج فردا من المجموعة ، لكنها قادرة علي تعويضه بأفراد آخرين مثل الكلاب الهاربة من بيوت أصحابها أو تلك التي يطردها اصحابها ( وربما هي نفسها الطريقة التي يصبح بها الإنسان متسولا ) ؛ لذلك يكون الأفراد غير مترابطين و المجموعة غير ثابتة التكوين.

و أماكن إنتشارها الريف و المدن ، علي أن الريف ليس كالمدينة و المدينة ليست كالريف ، و هو ما يؤثر علي خصائص مجتمع الحيوان ، فالمدينة يكثر سكانها و بالتالي تكثر مخلفاتهم و التي تعتمد عليها الكلاب كطعام لها و من هنا لا يلزم أن تكون المساحة التي تشغلها المجموعة  الواحدة من الكلاب مساحة كبيرة ، و في هذا النوع من النظم تبدو المنافسة ، و كل مجموعة  تدافع من منطقها ضد أي كلاب أخري تحاول التسلل إليها ، أما في الريف فيكون  السكان قليلين و بالتالي تكون كمية المخلفات قليلة و الطعام المتاح للكلاب قليل ، علي أنها تستعيض عن ذلك باستخدام منطقة أوسع ، ثم يؤدي اتساع المساحة إلي التداخل و غياب التمايز بين مناطق كل مجموعة خاصة في المناطق التي تحوي المخلفات ، و العجيب أنه لا يحدث أي نزاع في هذه الحالات ، و هو نفس الشئ بالنسبة للإنسان إذ يقال عن أهل المدن أحيانا أن لديهم جفاء ، و يقال عن أهل الريف أن لديهم سهولة .

و من خصائص مجموعات الكلاب أن تغادر الأنثي مجموعتها قبل الولادة و تحاول تربيتهم بمفردها و لهذا فإن هذا النوع من الصغار نادرا ما تكتمل حياته ، و تفيد إحدي الدراسات أن واحدا فقط من بين عشرين هو من يتجاوز الخطر و يكمل حياته ، و لعل ذلك هو السبب في كون الكلاب ضعيفة في ممارسة الإفتراس ، و هي من الكائنات التي تبحث عن الأكل في الأرض ، وحتي إن مارست الصيد فإنه لايكون بشكل تعاوني أو جماعي ، 
وعلي العكس تماما الذئاب حيث تتزوج فقط الأنثي التي تعيش في مجموعة ويشاركها أفراد المجموعة تربية الصغار.

النظام الاجتماعي للحيوانات كما الانسان له قواعده و خصائصه ولاينبغي أن نتجاهله أو نحتقره لكن من الأهمية بمكان أن نتأمله و نستخلص منه خطوطه العريضة  -علي الأقل- ففيها الكثير من الدروس و العبر التي تحرك في الانسان عقله و قلبه لعلنا نتذكر طباعنا و نلتفت إليها فتسمو نفوسنا و تتهذب.

الأربعاء، 29 أبريل 2020

تواصل الحيوانات بين الظاهر و الباطن " لغة الجسد "



لنتفق في البداية أن لكل شئ سبب ولا مجال للصدفة أو العشوائية وكل تصرف يقوم به الحيوان إنما لدوافع داخلية لها وجاهتها لكن ليس لها وقع علينا ، و نحاول في هذا المقام أن نسترعي الانتباه حيت تقع العين علي الفعل و تراه ؛ لنعرف ما وراءه و ماذا بعده و لنأتي البيت من الباب و لا داعي للشباك ولندخل مباشرة فالكلب الذي جسده للأمام وأذناه قائمتان منتصبتان وزيله مثلهما هو منتبه مترقب متحفز و عكس ذلك يحضر مع الكلب الخائف أو المهادن ، أما إذا التجات شفتاه للخلف مظهرة زوايا الفم كاشفة الأنياب و القواطع مع رفع الذيل و الأذن فلتكن عدوانية الكلاب هي التفسير والسبيل وفي أحيان أخري يميل ثقل الوزن للوراء و ترتفع الشفة و تسحب زوايا الفم للخلف مظهرة كل الأسنان وهذا كله إيذان بالعدوان من أجل الدفاع ، وأما تحية لمن هو أعلي منه مقاما فتراه منزلا جسده خافضا زيله محركا له بسرعة المحرك لاعقا منخاره و مبالغة من نفسه فإنه يفعلها علي نفسه غير مبتئسا ببوله ، وأما إن وقف شعر زيله و ظهره دل علي خوفه و قلقه ، وقد تري واحدا يقفز علي آخر لشكه فيه وريبة منه في أمره ، و لوضع الزيل تجليات اخري غير السابقة فله ان يكون مرتخيا ومنبسطا و ومهزوزا والاستنتاج هنا أن الكلب ودود وحينها تدري أن الموقف موقف لطف وملاطفة وصدق و مصادقة .
ومما غائر في العقول و الأذهان أن حركة الأزيال عند الكلاب تنفي أن يكون عنيفا أو مخادعا أو كذابا لكن الواقع خلاف .

و للقطط قسط ونصيب فإن كانت متكئة علي واحد من جانبيها و للعين نصف فتحتها والأذن مرتفعة أو إلي الجانب قليلا مع زيل هامد دلك ذلك علي حالة استرخاء ، وإن القت بثقلها للأمام والأرجل الخلفية أعلي من الأمامية والأذن للجانب أو للأمام و العين آخذة لنفسها إتجاه فذلك لأنها علي وشك الهجوم ، وفي ميلان الجسد للجانب مع زيل مطوي و عين تهرب لا تريد النظر وأذن للجانب أو الخلف فسيد الموقف هو الخوف ، و إذا مارست الصغار التقلب علي الارض مظهرة بطنها فقد حان مزاج اللعب و الدعوة للمشاركة ،
و للزيل وظائف وأشغال فهو يساعد علي الاتزان وقت المطاردة والافتراس لكن هناك جوانبا اخري ؛ فالحياة  ليست جوعا و شبعا ،
فإذا كان أفقيا مرتخيا فالقطة إما حذرة بقدر يسير ، أو الي الاستحسان و الراحة تميل ، و أوقاتا أخري يتحرك  الزيل و القطة هادئة لكن حذار حذار حذار ؛ فقد تبدو هادئة و هي مخادعة و تعرفها من حركة الزيل المتصلة ، فالحذر الحذر عند الاقتراب ؛ فهي حينئذ كالسراب تظنه شيئا و تجده شيئا.

و في صورة أخري تجد الزيل أصابته حركة لها هيئة هزة أو رعشة ، سريعا هو ، فيدلك ذلك علي حال التبول أو التحول ، و التحول أي أصبح مستثارا ، وتراه أيضا عند الانتقال لتحية الصداقة ، وهو بهذه الأخيرة صار شبيها بالزيل المرفوع ملويا ، أما الزيل القائم عموديا فهو الخوف أو العدوانية .

و مما يستشف بعد ما سرد أن الحال معكوسة علي الجسد ، يجعله متقلب الأحوال فيستحيل من حالة لحالة ويشكله أشكالا ، علي أنها ليست بقوالب ولا أنماط ، لكنها حركة و اضطراد .

الخميس، 23 أبريل 2020

الحياة الجنسية في القطط



نتحدث في موضوعنا هذا عن ملامح الحياة الجنسية في فصيلة أخري من فصائل الحيوانات وهي القطط استكمالا لما بدأناه في الموضوع الفائت و الذي كان عن الكلاب .
و مما عرفناه سابقا أن هناك ما يعرف بفترة Heat و هي أهم فترة من فترات دورة الشياع أو الشبق ؛  ففيها تكون الشهوة و تقبل الأنثي الذكر ولا يمكن أن يحدث جماع في غيرها .


أما عن مناقشة الأمر من الناحية السلوكية التي هي مرآة لحالة داخلية محكومة بالهرمونات فنجد في القطة ارتفاع صوتها ، وفرط نشاطها ، و تواجد عدد من الذكور في محيط تواجدها ، و زيادة معدل تبولها، و رغبتها في مغادرة مكانها ، و ممارسة احتكاك بالأجسام الصلبة من خلال الأجزاء الخلفية لجسمها ، و رفع زيلها و ميلانه لأحد جانبي الجسم فضلا علي السماح للذكر بالاقتراب منها وجماعها.
ومن فرط تأثر الحالة السلوكية أنها لا تثتسني الإنسان ، إذ تصبح القطط في هذه الفترة عنيفة شرسة تجاهه.

و في أوقات الجماع يلاحظ الذكر ممسكا بقفا القطة مستعينا علي ذلك بأسنانه ، ولا يحدث الجماع مرة واحدة إذ هي غير كافية لتستحث عملية التبويض التي تتطلب تكرار الجماع . ومما يحدث وقت التزاوج بين القط و القطة هو صراخ الأخيرة ؛ ذلك أن العضو التناسلي للذكر يتميز بوجود أشواك اتجاهها للخلف وبينما يخرج العضو من القناة التناسلية للأنثي ، تحتك الأشواك بباطن المهبل مسببة ألما شديدا مصحوبا بالصراخ ، وسيكون لنا وقفة حول هذه النقطة في نهاية الموضوع .

وعلي ما يوجد في الحياة الجنسية من تشابهات بين فصائل الحيوانات إلا أن هذا لا يمنع تفرد كل فصيلة عن الأخري بسمة تجعلها في نطاق ما محلا للذكر دون سواها ، ومما تتميز به القطط أن فترة Heat  تتأثر مدتها بتواجد الذكر من عدمه فتكون فقط أربعة أيام إن كان موجودا ، و حوالي عشر أيام إن كان غائبا .و لئن كنا قد أشرنا لدور الجماع المتكرر في التبويض  فنزيد علي ذلك أن هذا  لوجود مستقبلات عند الفتحة التناسلية الأنثوية يثيرها الجماع ، و قد يحدث التبويض من غير جماع فإذا قفزت أنثي علي أنثي أو أثناء مشاجرة فيما بينهما يكون هذا محفزا للتبويض عبر مستقبلات مشابهة موجودة في المنطقة القطنية من الظهر ، وأما التفرد الأغرب للقطط أنها قد تحمل من أكثر من ذكر ؛ إذ من الممكن أن يجتمع علي جماعها أكثر من ذكر ، و الأشد غرابة أن هذا يحدث دونما تشاجر فيما بين الذكور ، وأمام هذا السلوك لا يعرف المرء هل يتفاعل مع هذا بالدهشة أم بالاحترام.


و عودة لما أرجئنا الحديث عنه بخصوص صراخ القطة وقت الجماع نريد أن نعلق علي مقولة موجودة في تراث الأمثال الشعبية وهي "مفضوح فضيحة القطط " و جذور هذه المقولة مرتبطة بموضوع اليوم ؛ فالقطط أثناء الجماع تلفت أنظار الناس إليها من خلال صراخها فاعتاد الناس اسقاط ذاك علي واقعهم و صارت القطط مضربا للمثل في ذياع صيت معلومة أو فضيحة ما بعد أن أصبحت مكشوفة للناس بصرف النظر عن مضمون الفضيحة ، وهذا مما يعد تؤثرا بما عرفناه عن الحيوانات.

الثلاثاء، 21 أبريل 2020

الحياة الجنسية في الكلاب.


في البداية تجب الإشارة إلي أن الحياة الجنسية في الإنسان أو الحيوان ليست قاصرة علي لحظة الاستجابة للغريزة الداخلية لكن هذه اللحظة تمثل ما يشبه المشهد الأخير في الأعمال الفنية أو الغلاف الموجود علي كتاب معبرا عما بداخه ، و الحياة الجنسية هي في حقيقتها منظومة متكاملة يعبر عنها بما يلاحظ علي الأفراد من سلوك خاصة المرحلة التي تشهد حاجة الفرد إلي إشباع رغبته بالجماع  وكذلك الجماع ذاته فكلاهما أكثر ما يؤثر في سلوك الحيوان إذا ما قورن ببقية حلقات المنظومة مثل البلوغ و النضوج الجنسي .

و سنحاول في هذا الموضوع  دراسة السلوك الجنسي عند الحيوانات خاصة الكلاب ، أما غيرها من الحيوانات سيكون لها موضوعات منفصلة.

يوجد عند الحيوانات ما يسمي دورة الشبق أو الشياع و هي عدة مراحل أهمها فترة heat التي تتميز بالشهوة الجنسية للأنثي ولا يمكن للأنثي أن تقبل الذكر في غير هذه الفترة ولها انعكاسات غاية في الأهمية علي سلوك الأنثي ومنها :

- تسبق هذه الفترة أولا بنزيف دموي من المهبل.
- زيادة الاهتمام بين الذكر و الأنثي في هذه الفترة و انجذابهما لبعضهما حتي إن من علاماتها ارتفاع صوت الأنثي بصورة مزعجة وكأنها تريد لفت انتباه الذكر تجاهها.
- عصبية شديدة.
- تحريك الزيل من مكانه ليصبح علي أحد جانبي الجسم.
- ربما تقوم الأنثي بالقفز علي الذكر إذا كان قليل الخبرة.

وأهم ما يستخدمه الذكر للتعرف علي الأنثي و هي في هذه الحالة حاسة الشم فيقوم بشم كامل جسمها خاصة المنطقة التناسلية ، و تكون الخطوة التالية الجماع. و الجماع أيضا هو أحد أجزاء المنظومة الجنسية التي لها تأثير علي سلوك الحيوان مما لايترك أي مساحة للشك علي أن ما يراه الفرد أمامه هو جماع وليس أدل علي ذلك من وضعية تسمي " Tail to tail " و هي معروفة لمن يقتني كلابا أو حتي مما يري علي الكلاب في الشوارع.

هذه الوضعية نري فيها تلامس مؤخرة جسد الذكر مع مؤخرة جسد الأنثي ويرجع ذلك لأنه وأثناء الجماع يمتلئ العضو الذكري للكلب بالدم مما يضخم حجمه ، و يتأخر خروج الدم منه بعد نهاية مهمته بسبب انقباض العضلات الموجودة عند قاعدة العضو الذكري ، و أما من ناحية الأنثي فإن عضلات الفتحة التناسلية تكون منقبضة ، هذه الظروف مجتمعة تجعل خروج العضو الذكري من جسد الأنثي مستحيلا لفترة ما إلي حين حدوث العكس ، فالعضو الذكري المنتفخ بالدم يحدث له انقباض و الفتحة التناسلية التي كانت منقبضة و بالتالي تغلق علي العضو الذكري تصبح مرتخية و تنفك العقدة و يحدث الانفصال، و تستمر هذه الوضعية مدة تتراوح من عشرة دقائق إلي نصف ساعة.
و الجماع عند الكلاب له مرحلتان بينهما " ترانزيت " ، المرحلة الأولي من دقيقة واحدة إلي دقيقتين و فيها يدخل الذكر عضوه في الأنثي و يضع المني . وأما مرحلة  "الترانزيت " ففيها ينزل الذكر من علي ظهر الأنثي تاركا إحدي أرجله الخلفية علي المنطقة الخلفية من جسمها و يدير ظهره لها تمهيدا للمرحلة الثانية التي تشهد وضعية التلاصق التي أشرنا لها و يكون فيها كامل الأرجل علي الأرض ويستكمل فيها إفراز المني حتي يصل الرحم .

و سواء حدث حمل بعد الجماع أو لم يحدث فإن الأنثي لايمكن أن تقبل الذكر بعد انتهاء فترة  Heat  منتظرة دورة شبق جديدة.

و إذا كان هناك تماثلا بين مجتمع الإنسان و مجتمع الحيوان فإننا نري أنه في الحياة الجنسية أوضح ، فالحيوانات تتدهور نفسيتها إن لم تقابل شهوتها بجماع و لعل ذلك واضح بالحيوانات المنزلية لأن كثير منها يقتني بصورة فردية علي عكس الحيوانات التي تعيش في صورة قطيع تكون علي إشباع رغبتها  أقدر.

الأحد، 19 أبريل 2020

من صور الاعتماد علي النفس : " لحس الشعر " في القطط.




من المؤكد أن كل سلوك يقوم به الحيوان له دوافعه الداخلية ولا يمكن أبدا أن يكون عشوائيا ، وهذه الدوافع و الأسباب هي نتيجة احتياجات داخلية لدي الحيوان و من أوضح الأمثلة علي ذلك لحس القطط لشعرها .
ونحن الآن بصدد مناقشته كسلوك تقوم به القطط علي مدار اليوم ، حتي أن بعض الدراسات ذهبت إلي أن هذا السلوك يشكل نصف الوقت الذي تقضيه القطة يقظة و أن هذا من عظيم شأنه و مما يستوجب تسليط الضوء عليه .


هذه العادة هي معروفة لعامة المربيين و غيرهم ممن يكثر اختلاطهم بالقطط ، لكن ثمة فارقا بين نظرة سطحية لا تثير شغفا و لا تنبه عقلا ، وبين نظرة عميقة تجذب العين و تداعب القلب وتعمل العقل فتكون ثمرة تجذب الكتاب و القراء.

و التصرف هذا " مكتسب " تأخذه القطط عن أمهاتها ، فبعد الولادة تقوم الأم بلحس أجساد صغارها بغية إكسابهم شيئا من رائحتها ليسهل التعرف عليهم - وأشرنا إلي هذا في موضوع سابق عن حاسة الشم - و من جهة أخري فإنها تهدف إلي تدريبهم علي ممارسة هذا السلوك فيما بعد بمفردهم و غالبا ما يشهد الأسبوع الثاني انتهاء مساعدة الأم لصفارها. و هذه الفترة مهمة لاكتساب هذا السلوك إذ أن الذي يخرج منها دون قدر كاف من الخبرة لا يمكنه ممارسة هذا النشاط فيما بعد.

و " لحس" الشعر بالنسبة للقطط يشبه ما نقوم به نحن البشر من تمشيط للشعر و تهذيبه و هذا من أوجه التشابه بين طبائع الانسان و طبائع الحيوان ، و هذا السلوك يضمن لهم المحافظة علي الجلد سليما و إعطاء مظهر جميل للفراء.

و يشكل أيضا هذا السلوك ضرورة للتخلص من الشعر المفصول عن فروة الرأس بدلا من تراكمه .

و إن مما يتبادر إلي الذهن بناء علي ما سبق أن ينظر للسان علي أنه فرشاة أو أداة تمشيط فيستدعي معه مزيدا من السرد لفوائد هذه الأداة و منها أن تمشيط الشعر عبر اللسان هو مما يلجأ إليه للتخلص من الطفيليلت الخارجية (الحشرات) العالقة بالشعر و الجلد .

وهذا السلوك ينبغي أن يحسب كصورة من صور التكيف مع ظروف المناخ فهو وسيلة لتلطيف درجة حرارة الجسم ، و هو بذلك يناظر سلوك اللهث عند الكلاب.

و مع سرد المنافع السابقة يتبقي لنا مثالا يعد ذروة استغلال سلوك " اللحس " لدي القطط و ما ذلك إلا لأنه يمارس في ظروف صعبة فتكون له القدرة علي مغالبة هذه الظروف علي بساطته  ففي حال تعرض القطط لأي مصدر إزعاج أو خوف أو قلق أو ةقوعها تحت أي ضغط - وهو ما يعرف ب stress - تستغني القطط عما تفعله متجهة لممارسة عادتها المستحبة ممثلة في اللحس، و في هذا المثال تحديدا يصنف سلوك اللحس علي أنه سلوك " مهدئ " .


ولا يتوقف هذا النموذج من سلوكيات القطط عند حد اعتباره من أوجه التكيف ، بل إنه يحمل في ذاته وجوها أخري لقدرة الحيوانات علي استغلال إمكاناتها فنري القط يستخدم أقدامه الأمامية والخلفية بديلا عن لسانه للوصول لأجزاء الجسد التي لا يصلها اللسان أو الأسنان ومنها الرأس و الوجه والرقبة و الأذن ، لكن عليه أولا أن يبلل أطراف الأقدام باللعاب من فمه و كأن ثمة سر في اللعاب!

اللعاب هو السائل الذي يبلل الشعر فيسهل تمشيطه و جمع المنفصل منه عن فروة الرأس ، و هو الذي يحتاجه الجلد فيحفظ له رطوبته وهو الذي تحتاجه الأجسام لتلطيف حرارتها النابعة من حرارة الجو او الناتجة بفعل Stress ، وهو الذي يحوي  الروائح المفرزة من غدد خاصة بها فيحمل للشعر الرائحة المميزة لصاحبه .


ولا ينبغي أن يفوتنا النظر لهذا السلوك علي أنه من أوجه الاعتماد علي النفس ما يدفعنا إلي إعطاء هذه الحيوانات قدرها المستحق علي الأقل من وجهة نظر التوازن البيئي و ليس كما يعتقد الكثير من الناس أنها مخلوقات بلا وزن .

الأربعاء، 15 أبريل 2020

البومة " قدرات خارقة " .



لعل البومة واحدة من أكثر المخلوقات غموضا بالنسبة للإنسان و ربما لايعرف الكثيرون حتي شكلها ، و آخرون ترتبط في ذهنهم بأصواتها المميزة التي يرونها نذير شؤم .
و سنحاول في هذه المقالة أن نسلط الضوء علي بعض مظاهر الموهبة الموجودة في البومة ما يمكنها من التكيف مع ظروف بيئتها.

البومة واحدة من الطيور الجارحة مثلها مثل النسر و الصقر ، و البومة تصنف تبعا لنشاطها علي أنها طائر ليلي.
و في الانجليزية تأخذ مصطلح "Lord of ight" أي أمير الليل أو أمير الظلام و ما كانت لتستحق هذا اللقب لولا قدرتها علي اصطياد فرائسها ليلا بل في الظلام الدامس .
و إلي جانب هذا فلا مانع من أن تمارس الصيد في فترات النهار أيضا.


و قدرتها علي صيد فرائسها في الظلام الدامس الكامل ترجع إلي قوة حاسة البصر لديها و هي تحتل المكانة الأولي بين سائر المخلوقات من حيث قدرتها علي التغلب علي عتمة الليل .
و زيادة علي ذلك فإن عيني البومة تقعان في مقدمة الرأس ما يوفر لها قوة الملاحظة فتمتلك بذلك القدرة علي "اختطاف " فرائسها سريعا حتي أثناء الطيران.
و لئن كانت البومة لا تقدر علي تحريك عينيها ، فإنها - علي عكس باقي الطيور قصيرة الرقبة - تستطيع أن تدير رأسها بأريحية تبلغ معها زاوية اللفة الواحدة 270 درجة أي ثلاثة أرباع دائرة ، ما يجعلها تستغني عن تحريك جسمها و تلجأ فقط إلي تحريك رأسها كي تري ما حولها ، و السر في ذلك 14 عظمة في الرقبة .
و تكتمل هذه القدرة العجبية علي تحريك الرأس بقدرة جبارة علي خفة الحركة سواء عند الافتراس - كما أشرنا سابقا- أو عند حركة الرأس أثناء المتابعة .

و إحكاما لقوة النموذج الذي بين أيدينا الآن يجب أن نستخرج المزيد من جعبة هذا الكائن العحيب ، فنمر علي حاسة السمع لنعلم أنها تدرك صوت خطي الفئران علي أغصان الشجر من مسافة 25 مترا ، و لكن إذا عرف السبب بطل العجب فالبومة تمتلك ريشا علي وجهها متخذا شكل القرص فيعمل كأنبوب يوصل الأصوات إلي الأذن .
و دور الريش لا يقتصر فقط علي تدعيم حاسة السمع فنجد أن أطرافه في الأجنحة تكون صغيرة حتي يكاد يشبه الفراء ،
ثم إلي الأرجل ليمنع بذلك إنتاج الأصوات أثناء حركة الطيران ،فلا تنتبه الفريسة إلي قدوم المفترس.
و مما يستنتج أن مثل هذا النوع من الطيران يكون أقرب إلي التسلل منه الي الطيران،
فماذا إذن ننتظر مع هذا التكيف الخارق !
و ما أسهل الافتراس حينئذ!
فهل جزوع الأشجار الظاهرة إلا بعضا من جذورها !
بذلك تقدر البومة علي الافتراس و يبدأ فصلا جديدا من الابداع فيما بعد الافتراس ،
ما إن تنقض البومة علي فريستها تبدو الحاجة ملحة إلي ما يمنع الفريسة من الهرب و يدعم الامساك بها ، و هنا ياتي دور المخالب الحادة التي تثقب جسد الفريسة ، فينتهي بذلك ألم الهروب بالنسبة للفريسة و هاجس الإفلات بالنسبة للمفترس .

ولا تتوقف العظمة عند هذا الحد بل نجدها حاضرة في سلوك البومة أثناء أكلها أجزاء الفريسة :
تستطيع البومة أن تبتلع أجزاء الفريسة كاملة إذا كانت صغيرة الحجم و هو مالا يحدث في كل الأحوال ، فإذا كانت لا يمكن بلعها جملة واحدة ، يبرز حينها دور المنقار- إذ لا توجد أسنان - ليستخدم في تمزيق أنسجتها و فصلها عن العظم ، لتبدأ رحلة جديدة لهذه الأنسجة داخل البومة و نستكمل نحن رحتلتنا معها.
داخل الجهاز الهضمي للبومة تصنف أنسجة الفريسة إلي ما هو سهل الهضم مثل الجلد و الأنسجة الطرية ، و ما لا يقبل الهضم مثل العظم و الشعر فهذا الثاني يتم لفظه و يحدث له ما يشبه القئ بعد اثنتي عشرة ساعة.
و هذه الجزيئات التي تخرج من جهازها الهضمي مطرودة هي المفضلة لدي العلماء لإجراء الدراسات عليها بالرغم من كون هذا السلوك موجود في طيور أخري تمارس الافتراس .
تشكل هذه الدراسات أهمية كبيرة لدي علماء الاحياء ؛ لأن البومة و فريستها جزء من السلسلة الغذائية ، و بتحليل هذه المواد التي لم تهضم يمكن تكوين صورة حول أنواع الحيانات التي تفترسها البومة.


و بالانتقال الي الناحية الأخري من هذا العالم  -ناحية الإنسان نذكر أحد أعمال الممثل عادل إمام الذي يحمل اسم " أمير الظلام " وكان فيه كفيفا هو و مجموعة أخري ، حياته كلها ظلام ،علي أنه استطاع أن يجهز علي كثير من المجرمبن كما تجهز الجوارح علي فرائسها مستعينا علي ذلك بقدرات عوضته عن ظلمته الملازمة له ، فهل ثمة رابطا بين إسم العمل و البومة التي يضرب بها المثل في تحدي الظلام حتي قيل عنها " أمير الظلام " .

الأحد، 12 أبريل 2020

حاسة الشم في القطط.



تكلمنا في الحلقة الأولي من هذه السلسلة عن شئ من أوجه الإبداع في حاسة الشم لدي الكلاب ، لكن لا يتوقف الأمر عند الكلاب فقط ؛ فهذه هي القطط تزيدنا إعجابا بأهمية الشم في حياتها و ليس أدل علي ذلك من كونها مضرب المثل في هذه النقطة ، ولعل جميعنا سمع قبل ذلك المقولة الشعبية " شمام مثل القطط " .

ومقارنة بالإنسان فإن القطط تتميز بنسيج مبطن للجزء الشمي من الأنف يبلغ من خمسة إلي عشر أضعاف نظيره في البشر .

و لكن ما الذي يحدث حين تتعرض القطة لرائحة من نظرائها القطط؟ وكيف تتم ترجمة هذه الروائح؟
حين يدرك قط رائحة -مصدرها قط آخر-فإنها تظهر ما يسمي "flehmen response"  و فيها يقوم الحيوان بفتح فمه لبضع ثوان بينما تكون الشفاة العلوية مقلوبة للخلف ما يسمح للرائحة أن تصل للجهاز العصبي الأنفي و هو بدوره متصل بمركز العاطفة في المخ ، وكون هذا يغلب حدوثه بعد شم  روائح مصدرها قطط أيضا ، فيمكن أن نعتبر أن قدرات القطط في الشم تكون أوضحها في حياتها الاجتماعية ، ولكن كيف ذلك؟
لكل قطة رائحة خاصة بها تفرز من غدد موجودة في منطقة الذقن و بداية الزيل و الزوايتين الموجودتين بين الشفتين و الأقدام ، و حيث أن القطط غريزيا تقوم بلحس جسدها ، فإن الرائحة تصبح موجودة علي سطح الجسم و تكون بذلك متميزة عن غيرها ،
حسنا ، وماذا بعد؟
و اعتمادا علي ذلك تقوم القطط التي تعيش مع بعضها كمجموعة بالقيام بالتلامس و الاحتكاك عبر أجسادهم -التي تحمل رائحة مميزة لكل واحد علي حدة- محاولين بذلك خلق رائحة مشتركة بينهم جميعا لتساعدهم في التعرف علي بعضهم البعض و من ثم يصير غريبا عنهم كل الذي لايحمل هذه الرائحة المشتركة و هذا ما يحدث بالفعل عندما تؤخذ القطة للطبيب و يفحصها بيديه فإذا بالرائحة تختفي من جسمها بعد أن يلامسها ، فلما تعود لمجموعتها فيما بعد تصبح مرفوضة فيما بينهم .

و تتشابه القطط الي حد بعيد مع الكلاب في نقطة استخدام رائحتها المميزة لحماية منطقة سيطرتها ؛ إذ تقوم بحك جسمها مع أية أجسام صلبة موجودة في بيئتها ما يحفز الغدد لافراز محتواها من الروائح ، و بذلك تكون مثل هذه الاماكن قد تميزت برائحة القط المسيطر عليها.
كما يمكن أيضا استخدام البول لمثل هذه الأغراض ، و من جهة  أخري تلفت الروائح انتباه الذكور حالة ما يطلب الزواج من قبل الإناث.
و البراز أيضا يمكن استخدامه عند حدود الأماكن لإثبات بصمتها ، لكنه نادرا مايستخدم و غالبه يكون في الطرقات.

ومن دور حاسة الشم في البيئة الاجتماعية ننتقل إلي زاوية أخري من حياة شركائنا في الأرض لنلمح جانبا من أهمية الشم و علاقته بممارسة عاطفة الأمومة لدي القطط .
نشير أولا الي أن عاطفة الأمومة أقوي ما تكون في القطط ، لكنها قد تأكل أولادها في بعض الاحيان، نعم تاكلهم ....
لكن ليس تجردا من أمومتها ولا هربا من مسؤوليتها ، هي فقط لم تعد تجد في بعض منهم الرائحة التي تعرفها فتظن أن هناك غرباء بين أبنائها الرضع فتاكل من تظنه غريبا بينهم ، و توجد أسباب أخري لظاهرة أكل الصغار عند القطط لكن ليس محلها الآن.


و اذا ألقينا نظرة علي حياة الآدميين و مجتمعاتهم نجد أن من يكون شاذا في بعض خصاله أو سلوكه أو حتي شكله - وهذا الشذوذ في الطبع أو الشكل في عالم الناس يقابله شذوذ الرائحة في عالم القطط - قد ينظر إليه من الكثيرين نظرة استغراب و أحيانا يهرب منه بعض الناس أو يرونه غامضا ، و بذلك نكون قد وجدنا عاملا مشتركا بين مجتمع الإنسان و مجتع الحيوان في هذه النقطة.

السبت، 11 أبريل 2020

حاسة الشم في الكلاب .



تتمتع الكلاب بقدرة عالية علي إدراك المواد من خلال حاسة الشم ؛ إذ يتميز الجزء الشمي من الأنف بنسيج طلائي مساحته 20-200 سم مربع و هو بذلك يفوق نظيره عند الانسان بحوالي 10-100 ضعف و الذي يبلغ 2-4 سم مربع فقط ، إضافة إلي ما لديها من مستقبلات للشم تتجاوز نظيرتها الآدمية الي خمسين ضعفا.
هذه الإمكانات التي تمتلكها الكلاب مكنتها من ممارسة حياتها بشكل فريد فمثلا يستطيع الكلب أن يدرك رائحة بعض المواد الكيميائية حتي لو تم تخفيفها مائة مليون مرة .
ومن المواقف التي يستخدم فيها الكلب حاسة الشم و معروفة  لدي الكثيرين ، ذلك الموقف الذي كنا نتعرض له في الصغر ، كنا إذا رأينا كلبا في الشارع ينتابنا الخوف ما يعمل علي إفراز مادة " أدرينالين " و هو ما يستطيع الكلب أن يدركه بالشم فيدرك معه خوفنا منه و يتجرأ بذلك علينا.

و إضافة لما سبق يمتلك الكلب ما يسمي " الجهاز العصبي الأنفي" و هو زوج من القنوات الصغيرة التي تفتح في الفم، مبطنة بنسيج غني بالمستقبلات الكيميائية فيقوم الكلب بلحس الأجسام التي تثير انتباهه ثم حك اللسان في سقف الفم ومن ثم تحديد المواد مصدر الرائحة .

ولا يجد المرأ أمامه إلا أن يعجب حين يعلم أن هذه الحاسة - وغيرها - هي من أدوات التواصل عندهم ؛ إذ تحتوي إفرازات الكلاب من عرق و بول و الإفرازات الشرجية علي روائح مميزة ، فإذا تم التعرف عليها بواسطة كلاب أخري كان ذلك لهم منبها إلي ما حولهم ، و مؤشرا علي أمور عدة منها الخوف أو الثقة ، و دليلا تعرف به حدود سيطرة الكلب صاحب الإفرازات ، و علي الناحية الأخري  يستطيع صاحب الإفرازات أن يعرف أن ثمة كلب آخر قد مر في نطاق سيطرته ؛ فالكلاب تقوم بتحديد مناطق سيطرتها بالبول المحتوي علي مادة تسمي "فرمون" و التي تختلف من كلب لآخر ،فإذا وجدت رائحة أخري غير تلك التي تميز صاحب المكان كان ذلك من دواع الانتباه.

و لما كانت الفرمونات ذا أثر علي الحالة المزاجية للكلب نظرا لارتباط الجهاز العصبي الأنفي بمركز العاطفة في المخ ، فإنها أصبحت محل دراسة لدي العلماء لتعديل بعض المشاكل السلوكية بل تجاوز العلماء هذه المرحلة إلي مرحلة التطبيق لتكون علي التوازي  مع مرحلة البحث .

فإذا كان ما يدركه الانسان بأنفه في مجتمعه الآدمي قد يعطيه انطباعا عمن حوله فذاك غني تفوح منه رائحة العطور الفخمة و آخر مجتهد نعرفه من رائحة العرق و العمل وهذه مجتهدة في الطهي تنبعث من بيتها ريح القدر، فكذلك  الحيوان.

الخميس، 9 أبريل 2020

حب السيطرة في الحيوانات و تأثيرها علي العلاقة مع الإنسان .



العلاقة بين الإنسان الذي يمتلك حيوانا أليفا و بين هذا الحيوان إنما ينبغي أن تكون منزهة عن أي شائبة ؛ ذلك أنها ليست علاقة اضطرارية ، إلا أنه في بعض الأحيان قد يصيبها ما يعكر صفوها ، و مشكلة كهذه لا شك أننا سنجد فيها بصمة للإنسان و نشير هنا تحديدا إلي إحدي الدراسات العلمية و التي حملت إسم نظرية الهيمنة.
هذه الدراسة أجريت علي مجموعة من الذئاب و توصلت إلي وجود نزعة للهيمنة و ميول للسيطرة عند المجموعة التي شملتها الدراسة و تم إسقاط نتائج الدراسة علي واقع الكلاب و التي قد تصير عدوانية للحصول علي مكانة أعلي في بيئتها ، لكن ما تأثير ذلك علي علاقة الإنسان بالحيوان ؟
هذه الدراسة إنتشرت علي نطاق واسع ما وضع مالكي الحيوانات في موقف مضاد لهم و صاروا يعتقدون أن حيواناتهم تبحث لها عن مكانة أعلي حتي إن بعض الناس ظنوا أن حيواناتهم تحتقرهم بل إن هذا الأمر فرض علي بعض الناس أن يستخدموا طرقا للتحكم في هذه المشكلة ما أدي الي إثارة الحيوانات و زاد الطين بلة .
و للتوضيح أكثر سنسرد هنا مجموعة من الشكاوي التي كانت تحضر في ذهن الناس و تتردد علي ألسنتهم وقت أن كانت هذه الدراسة حاضرة و مؤثرة ؛ لندرك حجم الهوة بين ما يصدر عن الحيوان و بين التفسير الصادر عن صاحبه , ومن ذلك شكاوي بعض الناس من أن حيواناتهم تكرههم لا لشئ إلا لمجرد لأن تلك الحيوانات تصدر أصواتا مزعجة  و واقع الأمر أن هذا يرجع لمخاوف داخلية لديهم لذلك يرفعون أصواتهم محاولين الدفاع عن أنفسهم ، و آخرون ظنوا أن حيواناتهم تتعالي عليهم لمجرد أنه يحاول الهروب منه أثناء قيامه بتمشيط شعر حيوانه ، بينما يرجع السبب في ذلك إلي أننا أثناء التعامل مع الحيوان قد نشكل عبئا عليه فيصير متضايقا و محتاجا لوضعية أكثر راحة، و مما إنتشر أيضا أن الناس وجدوا في الحيوانات تكبرا بعد أن لاحظوا رفضهم  لأوامرهم و هذا مرده إلي عدم فهم الحيوانات لما يطلب منها ، و من الصفات التي كان يراها أصحاب الحيوانات واضحة جدا هي حب السيطرة و الهيمنة و استدلوا علي ذلك بأنهم لاحظوا أن الكلاب تميل للمشي أمامهم ، و يرجع هذا لكونها لا تحتمل قدرا كبيرا من التقييد و كان مما يتخذه مربو الكلاب دعما لرأيهم حول تكبر الكلاب أنهم ينبحون إن طلب منهم أن يجلسوا و حتي هذا مردود عليه إذ أن السبب في ذلك  احتياج أو قصور في التدريب ،
 و مما أثار حفيظتهم أيضا ما رأوه مقاومة لهم من الكلاب حين يقدمون علي معاقبتهم إن استخدموا أشياء ليست مخصصة لهم لكن الذي يدفع الكلاب لذلك هو الخوف.
و لئن أردنا أن نجمل أثر نظرية الهيمنة سنجد أمامنا سببين إثنين جعلا لها أثرها:
الأول هو عدم صحة تفسير  صاحب الحيوان لما يصدر عنه من سلوك و الثاني عدم صحة ما يتوقعه المربي بخصوص سلوك الحيوان.
 و نود أن نشير إلي منشأ القصور في نظرية الهيمنة لكي تؤدي إلي مثل هذه التقلبات:
- الدراسة قد كانت قصيرة المدي و شملت فقط %1 من الذئاب.
- استنتاجات و ملاحظات الدراسة اعتمدت علي معلومات خاطئة تم تعميمها علي الكلاب متجاهلة خمسة عشر قرنا من استئناس الكلاب ثم تعميمها علي علاقة الانسان بالحيوان .
- ترجمة بعض الملاحظات علي الحيوان إلي مفاهيم خاطئة ، فمثلا بعض الذئاب كانت تأخذ وضعية ما علي الأرض كجزء من سلوكها  للمهادنة كي تتجنب الصدام مع ما هو أعلي منها .

ومن هنا يتضح لنا أن بعض الدراسات العلمية قد تكون سببا في تغيير نظرة الإنسان إلي الكائنات  من حوله و رأينا في المثال السابق كيف تغيرت نظرة الناس الذين اقتنوا الحيوانات طواعية إلي ما يشبه حالة من  الكراهيةو التربص بل زادت إلي التخوف من سطوة الحيوانات عليهم.

الأشعارات
هنا تقوم بوضع الأشعارات
حسناً