لعل البومة واحدة من أكثر المخلوقات غموضا بالنسبة للإنسان و ربما لايعرف الكثيرون حتي شكلها ، و آخرون ترتبط في ذهنهم بأصواتها المميزة التي يرونها نذير شؤم .
و سنحاول في هذه المقالة أن نسلط الضوء علي بعض مظاهر الموهبة الموجودة في البومة ما يمكنها من التكيف مع ظروف بيئتها.
البومة واحدة من الطيور الجارحة مثلها مثل النسر و الصقر ، و البومة تصنف تبعا لنشاطها علي أنها طائر ليلي.
و في الانجليزية تأخذ مصطلح "Lord of ight" أي أمير الليل أو أمير الظلام و ما كانت لتستحق هذا اللقب لولا قدرتها علي اصطياد فرائسها ليلا بل في الظلام الدامس .
و إلي جانب هذا فلا مانع من أن تمارس الصيد في فترات النهار أيضا.
و قدرتها علي صيد فرائسها في الظلام الدامس الكامل ترجع إلي قوة حاسة البصر لديها و هي تحتل المكانة الأولي بين سائر المخلوقات من حيث قدرتها علي التغلب علي عتمة الليل .
و زيادة علي ذلك فإن عيني البومة تقعان في مقدمة الرأس ما يوفر لها قوة الملاحظة فتمتلك بذلك القدرة علي "اختطاف " فرائسها سريعا حتي أثناء الطيران.
و لئن كانت البومة لا تقدر علي تحريك عينيها ، فإنها - علي عكس باقي الطيور قصيرة الرقبة - تستطيع أن تدير رأسها بأريحية تبلغ معها زاوية اللفة الواحدة 270 درجة أي ثلاثة أرباع دائرة ، ما يجعلها تستغني عن تحريك جسمها و تلجأ فقط إلي تحريك رأسها كي تري ما حولها ، و السر في ذلك 14 عظمة في الرقبة .
و تكتمل هذه القدرة العجبية علي تحريك الرأس بقدرة جبارة علي خفة الحركة سواء عند الافتراس - كما أشرنا سابقا- أو عند حركة الرأس أثناء المتابعة .
و إحكاما لقوة النموذج الذي بين أيدينا الآن يجب أن نستخرج المزيد من جعبة هذا الكائن العحيب ، فنمر علي حاسة السمع لنعلم أنها تدرك صوت خطي الفئران علي أغصان الشجر من مسافة 25 مترا ، و لكن إذا عرف السبب بطل العجب فالبومة تمتلك ريشا علي وجهها متخذا شكل القرص فيعمل كأنبوب يوصل الأصوات إلي الأذن .
و دور الريش لا يقتصر فقط علي تدعيم حاسة السمع فنجد أن أطرافه في الأجنحة تكون صغيرة حتي يكاد يشبه الفراء ،
ثم إلي الأرجل ليمنع بذلك إنتاج الأصوات أثناء حركة الطيران ،فلا تنتبه الفريسة إلي قدوم المفترس.
و مما يستنتج أن مثل هذا النوع من الطيران يكون أقرب إلي التسلل منه الي الطيران،
فماذا إذن ننتظر مع هذا التكيف الخارق !
و ما أسهل الافتراس حينئذ!
فهل جزوع الأشجار الظاهرة إلا بعضا من جذورها !
بذلك تقدر البومة علي الافتراس و يبدأ فصلا جديدا من الابداع فيما بعد الافتراس ،
ما إن تنقض البومة علي فريستها تبدو الحاجة ملحة إلي ما يمنع الفريسة من الهرب و يدعم الامساك بها ، و هنا ياتي دور المخالب الحادة التي تثقب جسد الفريسة ، فينتهي بذلك ألم الهروب بالنسبة للفريسة و هاجس الإفلات بالنسبة للمفترس .
ولا تتوقف العظمة عند هذا الحد بل نجدها حاضرة في سلوك البومة أثناء أكلها أجزاء الفريسة :
تستطيع البومة أن تبتلع أجزاء الفريسة كاملة إذا كانت صغيرة الحجم و هو مالا يحدث في كل الأحوال ، فإذا كانت لا يمكن بلعها جملة واحدة ، يبرز حينها دور المنقار- إذ لا توجد أسنان - ليستخدم في تمزيق أنسجتها و فصلها عن العظم ، لتبدأ رحلة جديدة لهذه الأنسجة داخل البومة و نستكمل نحن رحتلتنا معها.
داخل الجهاز الهضمي للبومة تصنف أنسجة الفريسة إلي ما هو سهل الهضم مثل الجلد و الأنسجة الطرية ، و ما لا يقبل الهضم مثل العظم و الشعر فهذا الثاني يتم لفظه و يحدث له ما يشبه القئ بعد اثنتي عشرة ساعة.
و هذه الجزيئات التي تخرج من جهازها الهضمي مطرودة هي المفضلة لدي العلماء لإجراء الدراسات عليها بالرغم من كون هذا السلوك موجود في طيور أخري تمارس الافتراس .
تشكل هذه الدراسات أهمية كبيرة لدي علماء الاحياء ؛ لأن البومة و فريستها جزء من السلسلة الغذائية ، و بتحليل هذه المواد التي لم تهضم يمكن تكوين صورة حول أنواع الحيانات التي تفترسها البومة.
و بالانتقال الي الناحية الأخري من هذا العالم -ناحية الإنسان نذكر أحد أعمال الممثل عادل إمام الذي يحمل اسم " أمير الظلام " وكان فيه كفيفا هو و مجموعة أخري ، حياته كلها ظلام ،علي أنه استطاع أن يجهز علي كثير من المجرمبن كما تجهز الجوارح علي فرائسها مستعينا علي ذلك بقدرات عوضته عن ظلمته الملازمة له ، فهل ثمة رابطا بين إسم العمل و البومة التي يضرب بها المثل في تحدي الظلام حتي قيل عنها " أمير الظلام " .