يوجد في الكثير من كتب علم النفس للإنسان عنوان خاص تحت إسم " لغة الوجوه " ، و لا يقتصر الأمر علي الإنسان فقط ؛ إذ أن تعبيرات الوجه عند الحيوانات تشكل أيضا ما يعرف ب "لغة الوجوه" ، و هي انعكاس للحالة المزاجية للحيوان و تأثره بالوسط المحيط و تفاعلاته معه .
و لو أخذنا القطط نموذجا للإطلالة علي لغة الوجوه في الحيوانات فإننا نقسمها إلي أربعة أقسام هي ما يتعلق بالرأس ، و العينين ، و الأذنين ، و الفم أو الشارب فهؤلاء يكونون معا لغة الوجوه كإحدي حلقات لغة الجسد و إننا نهدف من مناقشة هذا الموضوع أن نزيل اللبس الحاصل عند كثير من الناس تجاه الحيوانات فهم يمتلكون صورة ذهنية خاطئة جدا حول الحيوان ، و أن نبدله بالواقع الحقيقي في البيئة الحيوانية .
و لغة الوجوه مرآة تعكس حالة الحيوان تماما كما الحال في الإنسان ؛ فتعبيرات الوجه كاشفة لما مخبأ في القلب و تحت اللسان ؛ فما يحاول الإنسان أن يمنع خروجه عبر الكلمات ينفلت إلي الوجه ، و يصبح كل غامض واضحا من حزن و فرح ، و دهشة و استغراب ، و حب و كره .
و من هنا كانت جديرة لدي الناس أن تستخدم لفهم بعضهم البعض و كذلك توقع ردة فعلهم بما يبدو عليهم بعد سماع خبر أو رؤية حدث . و هي مما لا يمكن لأحد ان يخفيه أو يتحكم به و إلا صارت مغلفة بالتكلف و الاصطناع ، و في شبه ذلك قالوا قديما عن الكلام " لا يمكن استرجاع بوادره و لا يقدر علي رد شوارده " ، و لئن قيلت في الكلام إلا أنها تصلح أيضا في هذا المحل ثم أنه ليس من المبالغة أن نعتبر لغة الوجوه كلاما في عالم الذين لا ينطقون .
و كثيرا ما تكون تعبيرات الوجه أداة للتقريب و لا يحتاج معها لإشارة أو كلام ؛ فبمجرد النظر إلي وجه الشخص الذي تجلس معه تستطيع أن تفهم الجو العام لحالته و حينها تعرف ما ينبغي أن تفعله أو ألا تفعله في جلستك و حوارك معه و أيضا لاحقا ، و هي بذلك توفر علي الناس الوقت و الجهد الذي لولاها لبذلوه في التوقعات و التخمينات و أرهقوا بها عقولهم ، لكنها تقتصر عليهم الطريق و تقتصد لهم التكاليف ، و لا يقصد من ذلك ما توفره من جهد لفهم الآخرين بل إنها تكون دليلا في مواضع كثيرة يكشف خبث الناس و ما يتبعه من تكاليف و قد تكون أيضا فاتحة بينك و بينهم ؛ فصارت بذلك مجلبا للخير .
فكذا الحال عند القطط ، و لعلها تكون ذا قيمة أكبرفي الحيوانات التي جعلت بكماء ، و سنتناول الاقسام الاربع للغة الوجه عند القطط .
- الرأس :
- و وضعية الرأس لها دلالتها من سعي للتواصل ، و توظف لها بقية أجزاء الجسم لإيصال رسالة ما أو يكون ذلك تأثرا من بقية الجسم كانفعال لحظي .
و يمكن إجمال وضعيات الرأس المختلفة في الآتي :
- للأمام .
- مرفوعة لأعلي .
- الرأس في الوسط .
- مائلة للجانب .
- للخلف و لأسفل .
و كل ذلك يكون مصحوبا بعلامات أخري .
و الذي يحدد أي هذه الوضعيات تظهرهي الحالة التي تمر بها القطة و هي بالطبع حالات متنوعة تشمل حالات الحذر و العدوانية و الدفاع عن النفس و الخوف ، و حالات قلة الاهتمام و عدم العدوانية و الراحة ، و حالة تجنب التحدي ، و حالات الخوف و العدوانية تجاه أحد ، و حالات السعي للتفاعل مع حيوان آخر أو حتي إنسان أو سعيا لاكتساب معلومة عن أشخاص أو حيوانات مستعينة في ذلك بحاستي الشم و البصر .
و قد تتشابه أكثر من حالة في وضعية الرأس علي أنهم يتمايزون في باقي تعبيرات لغة الوجه و لغة الجسد .
- العين :
و هي القسم الثاني و قد تكون نصف متوحة ، و قد يطال بها النظر الي شئ ما ، و قد يصرف النظر عن شئ ، وقد تضيق العينان. وكل واحدة من تلك الحالات لها دلالتها ؛ فقد تدل اليعن علي الراحة ، أو التهديد ، أو اللعب ، أو الاستثارة ، أو اليقظة و الحذر ، أو الخوف ، أو العدوان الدفاعي ، أو الاطمئنان ، أو العدوان الهجومي .
- الأذن :
و بها مجموعة كبيرة من العضلات التي من خلالها يتم تحريك الأذن ، و بإمكان القطة تحريك أذنيها علي نطاق واسع ، و تستطيع أن تجعلها لأعلي و لأسفل ، و يمكن تحريكها بمقدار 180 درجة .
و فضلا عن دورها الذي يشبه أجهزة الاستشعار - فهي تستخدم لتحديد مكان الفرائس الصغيرة - نجد الأذن واحدة مما يستخدم للتواصل .
و لها مواضع مختلفة كأن تكون للأمام ناحية الاطراف قليلا ، و قد تكون للخلف أو الجانب ، و أحيانا أخري تتراوح بين الميل للخلف و الوضع المنبسط المنخفض .
و إن كان اختلاف وضع الأذن يرجع لاختلاف الظرف ، إلا أنه ليس بالضرورة أن تكون كلتا الأذنين علي نفس الحال .
- الشارب و الفم :
حتي هذه الشعرات لم يفت ذكرها ؛ فهي الأخري لها حيز و مشاركة و كأنه من إتمام الشئ أن يضم الحقير ؛ حتي إذا فار و أعجز كانت حقارته إضافة لإعجازه و لا تكون إلا شاهدا علي قوة الإعجاز الذي تجاوزها.
و الشارب إما مائلا لأحد الاطراف أو للأمام أو مثار أو للخلف تجاه الخدين ، و الفم قد يفتح وقد يؤدي عملية التثاؤب .
و لغة الوجوه أشبه بالسر أو اللغز ؛ فتأخذ منه غموضه الذي لا ينفك إلا بقراءة كامل التفاصيل ، و كامل التفاصيل بالنسبة للغة الوجوه هي باقي لغة الجسد ، و تأخذ منه أيضا المتعة التي يجدها الإنسان أثناء حل اللغز ، و الاندهاش الذي يناله بعد كشف الستار .