- حيوانات الشارع تعيش في بيئتها الطبيعية التي تتناسب و تكوين هذه الكائنات ، فالشارع أو الغابة أو الحقل هو- و هو فقط - البيئة المناسبة و المثالية لحياة تلك الكائنات .
- حيوانات الشارع تعيش في صورة مجموعات و المجموعة لكل واحد تمثل مجتمعه وهو ما يناسب تركيب هذه الحيوانات.
- و كونها تعيش في بيئتها المناسبة لها بصحبة حيوانات أخري ليكونوا مجتمعا ، فإن كل شئ ينضبط مع ذلك تلقائيا ، و يأخذ مكانه المناسب ، و تبدأ إمكانات الحيوان في ممارسة دورها و تخرج عصارتها ، و يتحقق الانسجام الداخلي للواحد و أيضا انسجام الحيوانات فيما بينها .
علي أن ما لاحظه أصحاب الحيوانات ما هو إلا غيض من فيض و ما هو إلا نموذج ينبغي ان يسوقنا إلي قاعدة عامة مفادها أن الخروج عن سياق الطبيعة لا تحتمل تأثيراته .
و الإنسان لو تأمل فيما حوله من جوانب الحياة ، وجد الكثير و الكثير علي هذا المنوال ، و لقد كان يشيع في بريطانيا استخدام مخلفات المجازر لصناعة أعلاف تقدم للأبقار ما أدي إلي ظهور مرض " جنون البقر " إذ أن الأبقار هي آكلات عشب لا ينسجم هذا مع طبيعتها ، و اضطرت بريطانيا إلي التخلص من كل الأبقار في البلد .
و في نفس السياق يمكن تفسير أفضلية حيوانات الرعي عن الحيوانات الحبيسة ، فالأولي تسير و تتحرك و تلبي رغبتها و هل هي أصلا إلا " ماشية " ! ، و علي ذلك تكون الحيوانات الحبيسة قد حبست عن حياتها لا عن مرعاها فقط و ليس أدل علي ذلك مما يحدث مع الجزارين أثناء إخراج حيواناتهم من حظائرها قبيل ذبحها ، إذ تهيج و تضطرب و تهيم علي وجهها مصيبة من يقف أمامها حتي تكاد تصلح مع هذا للمشاركة في مصارعة الثيران و ما يحدث لها هذا الاختلال و الاختلاف و الاختلاط إلا لما منعها صاحبها عن الحياة التي خصصت لها .
و لو قلبنا في كتب الطب لوجدنا كم من أمراض تنشأ نتيجة خلل في نظام تسكين الحيوانات ، أو في بنية المنشآت التي تعيش فيها الحيوانات ، أو في نظام التغذية ، أو غير ذلك مما يعد دخيلا علي تكوينة الحيوان ، و غريبا علي طبيعته التي لا يمكن ان تنسجم مع ما يضعه الانسان أمامها من عراقيل . و بمعني آخر فالحيوان في بيئته الطبيعية الأصلية يستطيع أن يتأقلم مع كل شئ فهو يستطيع أن يتغلب علي ظروف المناخ الموجودة في بيئته هذه ، و يستطيع أن يجد فيها ما يسد جوعه كيفا و كما ، و يستطيع أن يلبي شهوته ، و هلم جرا. وكل هذا لا يتوفر له من قبل الإنسان و إن رأي خلاف ذلك فباطن الشئ ليس كظاهره.
و إذا انتقلنا لعالم الإنسان وجدنا نفس الشئ و سنضرب هنا مثلا يلاحظه العديد من الأسر التي تسأل لماذا طفل الريف أحسن حالا من طفل المدينة ؟ تري ما السر في ذلك ؟
طفل الريف سهل عليه أن يجد مكانا يلعب فيه فضلا عن كونه واسعا و فضلا عما يوفره له اللعب من تعارف علي أطفال آخرين فيجد صحبة يأنس بها ، و يتعرض للهواء النقي ، و يتعرض لآشعة الشمس ، و تعتاد عيناه رؤية الأماكن الريفية الجميلة فيستفيد بذلك كله في بناء الجسم ، و يتحسن به عقله إلي غير ذلك من فوائد ، و علي العكس يكون الكثير من أطفال المدينة ، فالطفل فيها لا يلعب في أي مكان ؛ فبعض الأماكن قد تمثل خطورة علي حياته كأماكن حركة السيارات و أخري لا تصلح فيها ألعاب بسبب كثرة حركة الناس فيها و غير ذلك مما يصعب معه لعب الأطفال ، و طفل المدينة قلما يختلط بأطفال إلا في حدود ضيقة كأن يقابلهم في المدرسة أو إذا صادف وجوده وجودهم في ناد رياضي ، و لا يتعرض طفل المدينة للهواء أو الشمس إلا بقدر ما تسمح حركة حياته التي تستدعي خروجه و تواجده خارج المنزل ، و هذا بالطبع يخص الأطفال دون غيرهم و باقي الفئات العمرية تختلف ظروفها المرتبطة بهذا الشأن مع اختلاف أعمارهم .
و خلاصة القول أن كل خلل أو انحراف يمكن أن يعزي إلي أنه لما انحرف انحرف عن الإطار الذي وضع له و صار في موضع آخر لم يكن ليسير فيه ، بينما الالتزام بالمسارات الطبيعية التي تليق بما وضعت له يختفي معه أي خلل و يتحقق الاتزان دون إزعاج من ظواهر محيرة أرهقت عقول من ظهرت لهم أو تصدوا لها .